فصل: تفسير الآيات (22- 39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.. {ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً} فهذه هي قاعدته الأصيلة في العمل والجزاء. فعلى الإيمان والعمل الصالح يقيم بناءه. فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان. الأول مبتور لم يبلغ تمامه، والثاني مقطوع لاركيزة له. وبهما معاً تسير الحياة على التي هي أقوم.. وبهما معاً تتحقق الهداية بهذا القرآن.
فأما الذين لا يهتدون بهدي القرآن، فهم متروكون لهوى الإنسان. الإنسان العجول الجاهل بما ينفعه وما يضره، المندفع الذي لا يضبط انفعالاته ولو كان من ورائها الشر له:
{ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً}..
ذلك أنه لا يعرف مصائر الأمور وعواقبها. ولقد يفعل الفعل وهو شر، ويعجل به على نفسه وهو لا يدري. أو يدري ولكنه لا يقدر على كبح جماحه وضبط زمامه.. فأين هذا من هدى القرآن الثابت الهادئ الهادي؟
ألا إنهما طريقان مختلفان: شتان شتان. هدى القرآن وهوى الإنسان!
ومن الإشارة إلى الإسراء وما صاحبه من آيات؛ والإشارة إلى نوح ومن حملوا معه من المؤمنين؛ والإشارة إلى قصة بني إسرائيل وما قضاه الله لهم في الكتاب، وما يدل عليه هذا القضاء من سنن الله في العباد، ومن قواعد العمل والجزاء؛ والإشارة إلى الكتاب الأخير الذي يهدي للتي هي أقوم..
من هذه الإشارات إلى آيات الله التي أعطاها للرسل ينتقل السياق إلى آيات الله الكونية في هذا الوجود، يربط بها نشاط البشر وأعمالهم، وجهدهم وجزاءهم، وكسبهم وحسابهم، فإذا نواميس العمل والجزاء والكسب والحساب مرتبطة أشد ارتباط بالنواميس الكونية الكبرى، محكومة بالنواميس ذاتها، قائمة على قواعد وسنن لا تتخلف، دقيقة منظمة دقة النظام الكوني الذي يصرف الليل والنهار؛ مدبرة بإرادة الخالق الذي جعل الليل والنهار:
{وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلاً وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا.
كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}..
فالناموس الكوني الذي يحكم الليل والنهار، يرتبط به سعي الناس للكسب. وعلم السنين والحساب. ويرتبط به كسب الإنسان من خير وشر وجزاؤه على الخير والشر. وترتبط به عواقب الهدى والضلال، وفردية التبعة فلا تزر وازرة وزر أخرى. ويرتبط به وعد الله ألا يعذب حتى يبعث رسولاً. وترتبط به سنة الله في إهلاك القرى بعد أن يفسق فيها مترفوها. وترتبط به مصائر الذين يطلبون العاجلة والذين يطلبون الآخرة وعطاء الله لهؤلاء وهؤلاء في الدنيا والآخرة.. كلها تمضي وفق ناموس ثابت وسنن لا تتبدل، ونظام لا يتحول. فليس شيء من هذا كله جزافاً.
{وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلاً}..
والليل والنهار آيتان كونيتان كبيرتان تشيان بدقة الناموس الذي لا يصيبه الخلل مرة واحدة، ولا يدركه التعطل مرة واحدة، ولا يني يعمل دائباً بالليل والنهار. فما المحو المقصود هنا وآية الليل باقية كآية النهار؟ يبدو والله أعلم أن المقصود به ظلمة الليل التي تخفى فيها الأشياء وتسكن فيها الحركات والأشباح.. فكأن الليل ممحو إذا قيس إلى ضوء النهار وحركة الأحياء فيه والأشياء؛ وكأنما النهار ذاته مبصر بالضوء الذي يكشف كل شيء فيه للأبصار.
ذلك المحو لليل والبروز للنهار {لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب}.. فالليل للراحة والسكون والجِمام، والنهار للسعي والكسب والقيام، ومن المخالفة بين الليل والنهار يعلم البشر عدد السنين، ويعلمون حساب المواعيد والفصول والمعاملات.
{وكل شيء فصلناه تفصيلا} فليس شيء وليس أمر في هذا الوجود متروكاً للمصادفة والجزاف. ودقة الناموس الذي يصرف الليل والنهار ناطقة بدقة التدبير والتفصيل، وهي عليه شاهد ودليل.
بهذا الناموس الكوني الدقيق يرتبط العمل والجزاء.
{وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}.
وطائر كل إنسان ما يطير له من عمله، أي ما يقسم له من العمل، وهو كناية عما يعمله. وإلزامه له في عنقه تصوير للزومه إياه وعدم مفارقته؛ على طريقة القرآن في تجسيم المعاني وإبرازها في صورة حسية. فعمله لا يتخلف عنه وهو لا يملك التملص منه، وكذلك التعبير بإخراج كتابه منشوراً يوم القيامة. فهو يصور عمله مكشوفاً، لا يملك إخفاءه، أو تجاهله أو المغالطة فيه. ويتجسم هذا المعنى في صورة الكتاب المنشور، فإذا هو أعمق أثراً في النفس وأشد تأثيراً في الحس؛ وإذا الخيال البشري يلاحق ذلك الطائر ويلحظ هذا الكتاب في فزع طائر من اليوم العصيب، الذي تتكشف فيه الخبايا والأسرار، ولا يحتاج إلى شاهد أو حسيب: {اقرأ كتابك.
كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}.
وبذلك الناموس الكوني الدقيق ترتبط قاعدة العمل والجزاء:
{من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى}..
فهي التبعة الفردية التي تربط كل إنسان بنفسه؛ إن اهتدى فلها، وإن ضل فعليها. وما من نفس تحمل وزر أخرى، وما من أحد يخفف حمل أحد. إنما يسأل كل عن عمله، ويجزي كل بعمله ولا يسأل حميم حميما..
وقد شاءت رحمة الله ألا يأخذ الإنسان بالآيات الكونية المبثوثة في صفحات الوجود، وألا يأخذه بعهد الفطرة الذي أخذه على بني آدم في ظهور آبائهم، إنما يرسل إليهم الرسل منذرين ومذكرين: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وهي رحمة من الله أن يعذر إلى العباد قبل أن يأخذهم بالعذاب.
كذلك تمضي سنة الله في إهلاك القرى وأخذ أهلها في الدينا، مرتبطة بذلك الناموس الكوني الذي يصرف الليل والنهار:
{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً}.
والمترفون في كل أمة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال ويجدون الخدم ويجدون الراحة، فينعمون بالدعة وبالراحة وبالسيادة، حتى تترهل نفوسهم وتأسن، وترتع في الفسق والمجانة، وتستهتر بالقيم والمقدسات والكرامات، وتلغ في الأعراض والحرمات، وهم إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم عاثوا في الأرض فساداً، ونشروا الفاحشة في الأمة وأشاعوها، وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها ولها. ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي، وتفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها، فتهلك وتطوى صفحتها.
والآية تقرر سنة الله هذه. فإذا قدر الله لقرية أنها هالكة لأنها أخذت بأسباب الهلاك، فكثر فيها المترفون، فلم تدافعهم ولم تضرب على أيديهم، سلط الله هؤلاء المترفين ففسقوا فيها، فعم فيها الفسق، فتحللت وترهلت، فحقت عليها سنة الله، وأصابها الدمار والهلاك. وهي المسؤولة عما يحل بها لأنها لم تضرب على أيدي المترفين، ولم تصلح من نظامها الذي يسمح بوجود المترفين. فوجود المترفين ذاته هو السبب الذي من أجله سلطهم الله عليها ففسقوا، ولو أخذت عليهم الطريق فلم تسمح لهم بالظهور فيها ما استحقت الهلاك، وما سلط الله عليها من يفسق فيها ويفسد فيقودها إلى الهلاك.
إن إرادة الله قد جعلت للحياة البشرية نواميس لا تتخلف، وسنناً لا تتبدل، وحين توجد الأسباب تتبعها النتائج فتنفذ إرادة الله وتحق كلمته. والله لا يأمر بالفسق، لأن الله لا يأمر بالفحشاء. لكن وجود المترفين في ذاته، دليل على أن الأمة قد تخلخل بناؤها، وسارت في طريق الانحلال، وأن قدر الله سيصيبها جزاء وفاقاً.
وهي التي تعرضت لسنة الله بسماحها للمترفين بالوجود والحياة.
فالإرادة هنا ليست إرادة للتوجية القهري الذي ينشئ السبب، ولكنها ترتب النتيجة على السبب. الأمر الذي لا مفر منه لأن السنة جرت به. والأمر ليس أمراً توجيهياً إلى الفسق، ولكنه إنشاء النتيجة الطبيعية المترتبة على وجود المترفين وهي الفسق.
وهنا تبرز تبعة الجماعة في ترك النظم الفاسدة تنشئ آثارها التي لا مفر منها. وعدم الضرب على أيدي المترفين فيها كي لا يفسقوا فيها فيحق عليها القول فيدمرها تدميراً.
هذه السنة قد مضت في الأولين من بعد نوح، قرناً بعد قرن، كلما فشت الذنوب في أمة انتهت بها إلى ذلك المصير، والله هو الخبير بذنوب عباده البصير:
{وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً}.
وبعد فإن من أراد أن يعيش لهذه الدنيا وحدها، فلا يتطلع إلى أعلى من الأرض التي يعيش فيها، فإن الله يعجل له حظه في الدنيا حين يشاء، ثم تنتظره في الاخرة جهنم عن استحقاق. فالذين لا يتطلعون إلى أبعد من هذه الأرض يتلطخون بوحلها ودنسها ورجسها، ويستمتعون فيها كالأنعام، ويستسلمون فيها للشهوات والنزعات. ويرتكبون في سبيل تحصيل اللذة الأرضية ما يؤدي بهم إلى جهنم:
{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً}.
{ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً}.
والذي يريد الآخرة لابد أن يسعى لها سعيها، فيؤدي تكاليفها، وينهض بتبعاتها، ويقيم سعيه لها على الإيمان. وليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. والسعي للآخرة لا يحرم المرء من لذائذ الدنيا الطيبة، إنما يمد بالبصر إلى آفاق أعلى فلا يكون المتاع في الأرض هو الهدف والغاية. ولا ضير بعد ذلك من المتاع حين يملك الإنسان نفسه، فلا يكون عبداً لهذا المتاع.
وإذا كان الذي يريد العاجلة ينتهي إلى جهنم مذموماً مدحوراً، فالذي يريد الآخرة ويسعى لها سعيها ينتهي إليها مشكوراً يتلقى التكريم في الملأ الأعلى جزاء السعي الكريم لهدف كريم، وجزاء التطلع إلى الأفق البعيد الوضيء.
إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان والزواحف والحشرات والهوام والوحوش والأنعام. فأما الحياة للآخرة فهي الحياة اللائقة بالإنسان الكريم على الله، الذي خلقه فسواه، وأودع روحه ذلك السر الذي ينزع به إلى السماء وإن استقرت على الأرض قدماه.
على أن هؤلاء وهؤلاء إنما ينالون من عطاء الله. سواء منهم من يطلب الدنيا فيعطاها ومن يطلب الآخرة فيلقاها. وعطاء الله لا يحظره أحد ولا يمنعه، فهو مطلق تتوجه به المشيئة حيث تشاء:
{كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا}.
والتفاوت في الأرض ملحوظ بين الناس بحسب وسائلهم وأسبابهم واتجاهاتهم وأعمالهم، ومجال الأرض ضيق ورقعة الأرض محدودة. فكيف بهم في المجال الواسع وفي المدى المتطاول. كيف بهم في الآخرة التي لا تزن فيها الدنيا كلها جناح بعوضة؟
{انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً}.
فمن شاء التفاوت الحق، ومن شاء التفاضل الضخم، فهو هناك في الآخرة. هنالك في الرقعة الفسيحة، والآماد المتطاولة التي لا يعلم حدودها إلا الله. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون لا في متاع الدنيا القليل الهزيل...

.تفسير الآيات (22- 39):

{لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}
في الدرس الماضي ربطت قواعد العمل والجزاء، والهدى والضلال، والكسب والحساب.. إلى الناموس الكوني الذي يصرف الليل والنهار. وفي هذا الدرس تربط قواعد السلوك والآداب والتكاليف الفردية والاجتماعية إلى العقيدة في وحدة الله، كما تربط بهذه العروة الوثقى جميع الروابط وتشد إليها كل الوشائج، في الأسرة وفي الجماعة وفي الحياة.
وفي الدرس الماضي ورد {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} وورد: {وكل شيء فصلناه تفصيلاً} ففي هذا الدرس يعرض شيئاً من أوامر هذا القرآن ونواهية، مما يهدي للتي هي أقوم، ويفصل شيئاً مما اشتمل عليه من قواعد السلوك في واقع الحياة.
يبدأ الدرس بالنهي عن الشرك، وبإعلان قضاء الله بعبادته وحده. ومن ثم تبدأ الأوامر والتكاليف: بر الوالدين، وإيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل، في غير إسراف ولا تبذير. وتحريم قتل الذرية، وتحريم الزنا، وتحريم القتل. ورعاية مال اليتيم، والوفاء بالعهد، وتوفية الكيل والميزان، والتثبت من الحق، والنهي عن الخيلاء والكبر... وينتهي بالتحذير من الشرك. فإذا الأوامر والنواهي والتكاليف محصورة بين بدء الدرس وختامه، مشدودة إلى عقيدة التوحيد التي يقوم عليها بناء الحياة.